"جوجل" حائرة بين الرقابة على الإنترنت والفرص الهائلة في الصين

منذ ثماني سنوات، انسحبت شركة «جوجل» من الصين وأنهت معظم نشاطاتها هناك بدعوى أن الحكومة الصينية تفرض الرقابة على الإنترنت وتطلب من «جوجل» التعاون معها في «تفصيل» محرك بحث خاص بالصين يحظر البحث في موضوعات حساسة.


ولكن الشركة القابضة «ألفابيت» التي تملك «جوجل» تريد العودة إلى الفرص المتاحة في السوق الصينية، وهي أكبر سوق إنترنت في العالم. وتتخطى الفرص المتاحة مجرد توفير محرك بحث إلى الكثير من المشاريع الأخرى.

ولكن الاعتراضات تنهال على «غوغل» من كل صوب، بما في ذلك من موظفي الشركة أنفسهم، لأنها تتخلى عن مبدأ منع الرقابة على الإنترنت من أجل فرص الربح المالي.

وتحاول «جوجل» التسلل إلى الصين تحت ذريعة مشروعات أخرى. فقد لاحظ الإعلام الصيني أن شركة «وايمو» المتخصصة في نظم قيادة السيارات ذاتيا، وهي تابعة لـ«غوغل»، سجلت فرعا لها في شنغهاي بلا دعاية. كما افتتحت «غوغل» مركزا للأبحاث في الصين يروج لمنتجاتها وبرامجها ويوفر أدوات عمل لمبرمجي الكومبيوتر.

وتبحث «جوجل» أيضا في مجالات الذكاء الاصطناعي وتطوير مجالات الإنترنت وتنظر إلى الصين ليس كمجرد أكبر سوق للبحث على الإنترنت في العالم وإنما كعالم من الفرص المتكاملة للكثير من الأعمال والنشاطات والتي يمكن أن تظهر منها تقنيات الغد.

وترى إدارة «غوغل» أن التخلي عن سوق الصين بسبب شروط الحكومة الصينية وتطبيقها رقابة صارمة على الإنترنت سوف يعزل «غوغل» ويحرمها من فرص متاحة لغيرها ممن لم يلتزم بمقاطعة الصين على مبادئ حرية الإنترنت. فشركة آبل مثلا تدير منفذا إلكترونيا في الصين يبيع تطبيقات أجهزتها. وتلتزم آبل بإرشادات حكومة الصين حول نوعية التطبيقات المسموح بها لمواطني الصين.

كما توفر شركات مثل أمازون ومايكروسوفت خدمات «كلاود» في الصين مع شركاء محليين ملتزمة بشروط صارمة حول كيفية تخزين معلومات خاصة بالمستخدمين.

وتتفوق «غوغل» في مجال تقنيات المستقبل التي تتيح لها فرصة العودة إلى سوق الصين مثل نظم القيادة الذاتية التي تطورها. وسوف يكون من الصعوبة تطبيق هذه النظم في الصين من دون التجربة العملية على شوارعها، فإجراء التجارب العملية للقيادة الذاتية على الشوارع الأميركية لا يكفي.

ولكن عودة «غوغل» إلى السوق الصينية بعد غياب سنوات لن يكون سهلا. فصغار المستخدمين الصينيين لا يعرفون اسم «غوغل» بينما اعتادوا على اسم الشركة المحلية التي تقدم خدمات مماثلة وهي «بايدو». ومع ذلك، تقبل «غوغل» على الكثير من الخطوات التي تمهد لعودتها إلى الصين على رغم الاعتراضات، فيما يبدو أنه تغير في فلسفة الشركة نحو قضية الرقابة.

وتعمل «غوغل» على تقديم محرك بحث خاص بالصين ويلتزم بشروط حكومتها أطلقت عليه اسم «دراغون فلاي» بالإضافة إلى عدة تطبيقات وألعاب إلكترونية. كما أن للشركة عدة استثمارات في شركات محلية في مجالات مختلفة.

وبالإضافة إلى سيطرة محرك «بايدو» على السوق الصينية تواجه «غوغل» عقبة أخرى في محاولتها العودة إلى الصين وذلك أن معظم الإنفاق الإعلاني الصيني تحول من محركات البحث إلى مواقع بث الأخبار التي يوفر الفيديو والمقالات للمستخدمين.

وهناك مجال يمكن أن تتفوق فيه «غوغل» في الصين وهو بيع التطبيقات الإلكترونية من خلال منفذ «غوغل بلاي». فهناك مئات الملايين من الهواتف الجوالة في الصين تستخدم نظام تشغيل آندرويد الذي طورته «غوغل» ويقوم هؤلاء بتنزيل تطبيقات من مصادر أخرى في الوقت الحاضر.

 ومن أجل تحقيق ذلك تحتاج «غوغل» إلى شريك محلي يحصل لها على التراخيص الحكومية اللازمة.

ويمكن للشريك الصيني أن يفتح لـ«غوغل» أبواب السوق عن طريق شراكات مع شركات تصنيع الهواتف الجوالة لتضمين هذه الهواتف تطبيقات «غوغل».

ولكن محاولات «غوغل» العودة إلى الصين قد يكون ثمنها باهظا في دول أخرى وفقا لتقارير من مؤسسة «سي بي جي» المعنية بحماية الصحافيين. فالمؤسسة ترى أن انصياع «غوغل» لقيود وشروط ورقابة الحكومة الصينية من أجل الربح المالي قد يشجع حكومات أخرى على تطبيق رقابة مشابهة على الإنترنت وحظر على المعلومات المتاحة للمستخدمين.

ولمثل هذا التوجه انعكاسات سلبية على حرية الصحافة في أنحاء العالم. وتقول موللي روبرتس الأستاذة الجامعية في جامعة كاليفورنيا سان دييغو ومؤلفة كتاب عن الرقابة على الإنترنت في الصين إن عودة «غوغل» إلى الصين بهذا الأسلوب المتدرج يعني في نهاية الأمر أن الحكومة الصينية قد كسبت في واقع الأمر معركة فرض الرقابة، وهذا يعني أن حكومات أخرى يمكنها أن تطبق الأسلوب نفسه. وتقع الصين في المركز الثالث عالميا في صرامة الرقابة والتضييق على الصحافة المحلية.