دراسة بريطانية: بعض المجلات ترتفع مبيعاتها رغم انخفاض اعلانات المجلات بنسبه 6.8٪

التخصص والابتكار والدعم الإعلاني من العوامل
التخصص والابتكار والدعم الإعلاني من العوامل

تشير أحدث دراسة قامت بها هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) في عام 2017 عن وضع المجلات في العصر الرقمي، إلى أن بعضها يخالف تيار التراجع السائد في الإعلام الورقي ويزداد في مبيعاته رغم أزمة الورق.


وأكدت أرقام هيئة التحقق من المبيعات (ABC) هذه الحقيقة، خصوصاً فيما يتعلق بالمجلات الجادة حول الشؤون العامة، مثل «إيكونوميست» و«سبيكتاتور» و«برايفت أي» في بريطانيا.

وحافظت بعض المجلات الأخرى عن الموضة والمشاهير والفن على معدلات توزيع جيدة بالتجديد والابتكار في تقديم المواد، واستمرار الدعم الإعلاني لها، لكنها بصفة عامة ما زالت تبيع أقل من معدلات السنوات الماضية.

وهناك أربع مجلات بريطانية على الأقل حققت معدلات نمو جيدة وغير متوقعة بين عامي 2016 و2017، ومنها مجلة «بروسبكت» التي زادت بنسبة 37.2 في المائة إلى أكثر من 44 ألف نسخة، و«سبيكتاتور» التي حققت نسبة نمو سنوي بلغت 11.3 في المائة إلى أكثر من 85 ألف نسخة، و«برايفت أي» الساخرة التي حققت نمواً بلغ 8.6 في المائة إلى ربع مليون نسخة، ومعها أيضاً مجلة «إيكونوميست» التي حققت 5 في المائة نمواً إلى 248 ألف نسخة أسبوعية.

وإلى وقت قريب كانت المجلات الفنية في مرحلة نمو مع الإقبال الشبابي، لكن الأمر تحول بعد استقرار «إنستجرام» وسيلةً سريعة بين الشباب للتعرف على أخبار النجوم ومتابعتهم.

ولا يحتاج الشباب إلى تفاصيل كثيرة عن سيرة النجوم، ويفضّلون الأخبار السريعة التي ينتقلون بعدها إلى موضوعات أخرى. لذلك؛ فإن وسائط التواصل الاجتماعي هي أنسب ما تحتاج إليه أخبار النجوم.

وتلجأ المجلات والصحف عموماً إلى وسائل الدفع لقراءة محتواها على الإنترنت كوسيلة لتدبير الدخل اللازم لاستمرارها في زمن تراجع الإنفاق الإعلاني. ويعرف ناشرو المجلات، أن هناك تخمة من الموضوعات على الإنترنت، وهي موضوعات مجانية ومتاحة للقراء. لكن رئيس تحرير مجلة «سبكتاتور» فرايزر نيلسون يحذر أننا في عصر «الأخبار الكاذبة»؛ لذلك فإن الحصول على المعلومات والتحليلات الصحيحة أكثر أهمية من أي وقت مضى.

ويرى نيلسون، أن المجلات التي تستطيع أن تنشر دورياً نوعية أعلى من الكتابة عما هو متاح على الإنترنت سوف تجد من يشتريها. وما زال المسؤولون عن التحرير يجدون صعوبة في تحقيق التوازن بين ما هو منشور ورقياً والمعلومات الرقمية المتاحة.

وهناك الكثير من مدارس الرأي، منها من يرى ضرورة نشر كل المحتوى على الإنترنت مجاناً من أجل ترسيخ قيمة المطبوعة في ذهن القارئ، وبين شرط الدفع قبل القراءة؛ للمحافظة على مستقبل المطبوعة في السوق.

واحتفلت مجلة «فوج» أخيراً بمرور 125 عاماً على تأسيسها، وأجرت بالمناسبة مقابلة حصرية بالصور مع الممثلة السينمائية جينيفر لورنس. وعلى رغم تراجع «فوج» في مبيعاتها بنسبة 3 في المائة بين عامي 2016 و2017، فإنها قامت بنشر المقابلة بنصها وبالصور على الإنترنت مجاناً. وكان رأي هيئة التحرير فيها، أن المتاح في السوق من أخبار فنية على الإنترنت يقضي بالمنافسة على قدم المساواة مع المصادر الأخرى؛ حتى يتعزز وجود المطبوعة في السوق.

وتشهد المجلات الجادة التي تهتم بالتحليل العميق لمجريات الأخبار إقبالاً متزايداً عليها، خصوصاً أن القراء الغربيين مشغولون بوقائع جديدة غير معتادة يريدون أن يفهموا أبعادها، مثل «بريكست» والانتخابات المتلاحقة ورئاسة ترمب. أما مجرد سرد الأحداث كأخبار وقعت، كما تفعل معظم الصحف الآن، يجعلها متشابهة كثيراً لما يعرض يومياً على الإنترنت.

وفي مجال المجلات الفنية لا بد أن تنشر هذه المجلات ما هو أعمق من مجرد أخبار المشاهير والأثرياء إلى تحليلات ذات قيمة تجذب القراء. وهذه هي المهمة الأساسية لهيئات التحرير فيها.

وتشير الإحصاءات البريطانية إلى أن قطاع المجلات تلقى من ميزانية الإعلانات ما قيمته 877 مليون إسترليني (1.14 مليار دولار) خلال عام 2016، بانخفاض نسبته 6.8 في المائة عن عوائد العام الأسبق. ومن المتوقع أن تقل العوائد بالنسبة نفسها مرة أخرى خلال عام 2018.

وفي الوقت نفسه، زاد إنفاق المجلات على التواجد الرقمي بنسبة 0.2 في المائة خلال الفترة نفسها، ولذلك؛ تسوق المجلات نفسها للمعلنين على أنها المجال الأفضل لزيادة المبيعات عبر التسويق على أكثر من منصة إعلامية - ورقية ورقمية.

ويتم تطبيق نظام جديد لقياس حجم القراء للناشرين بداية من هذا العام يأخذ في الاعتبار قراءة المطبوعة وأيضاً عدد متابعيها على الهواتف الجوالة والأجهزة اللوحية والكومبيوتر. وسوف يفيد النظام الجديد، الذي تطبقه وكالات قياس القراء، المجلات لأنه يمنحها منصات إعلامية أقوى من مجرد التواجد على الإنترنت. وسوف يقنع النظام الجديد المعلنين بإعادة النظر وزيادة نسبة الإعلان في المجلات بدلاً من الإعلانات الإلكترونية وحدها.

وترى مؤسسة «بلومبيرج»، أن القيمة ما زالت مرتبطة بالمحتوى، وتعم هذه القيمة على المجلات أيضاً، وليس فقط على المحتوى الرقمي. لكن المخاوف من استمرار التراجع الإعلاني مستمرة، ويعمّ ذلك على جميع المنافذ الإعلامية بما في ذلك محطات التلفزيون أيضاً.

شهدت المجلات بعض التحولات الجذرية في العام الأخير، منها انتعاش التوزيع في قطاعات السفر والفنون و«لايفستايل»، حيث ما زال البعض يفضل القراءة الفعلية لمجلات ذات صفحات ملونة مصقولة. ويساهم الوجود الرقمي على الإنترنت أحياناً في تشجيع الإقبال على المجلات.

ومع ذلك؛ فالتوقعات أن يستمر القطاع في الاندماج وتقليص عدد المجلات بحيث ينتج من الاندماج شركات أكبر حجماً قادرة على المنافسة والاستمرار في السوق.

وتركز المجلات على تحسين نوعية المواد المنشورة فيها بانتقاء جيد لفرق العمل وبناء الجسور مع القراء. وشهد العام الماضي أيضاً تطور نشر المواد على الأجهزة الجوالة بحيث يكون تنزيل هذه المواد سريعاً، ومعها أيضاً المحتوى الإعلاني. ويستمر هذا التوجه في المستقبل وينجح فيه الناشرون الذين يتميزون بالمرونة وتبني الجديد من أجل البقاء في الأسواق.

ومن وجهة النظر الإعلانية، ترى الكثير من الشركات ذات العلامات التجارية العالمية، أن الاعتبار الأول في السياسة الإعلانية هو ما يسمى «سلامة العلامة». ويعني هذا اختيار وسائل إعلام بعيدة عن شبهات الأخبار الكاذبة والعنف والإرهاب والتطرف وسلبيات الأخبار الأخرى. ولهذا؛ تفضل هذه الشركات المجلات التي قلما تنخرط في تغطية السلبيات السابقة وتركز على أسلوب الحياة العصري، بخلاف الصحف والإنترنت.

ويطلب المعلنون حالياً مطبوعات ذات مواد صحافية ذات قيمة عالية؛ ولذلك فهم يهتمون بالإعلان في المجلات الراقية التي تناسب العملاء المحتملين لمنتجاتهم. وتتبع المجلات الكثير من الاستراتيجيات في عرض المواد الصحافية الجيدة على الإنترنت لقاء اشتراكات. ومنها من يتيح عدداً من المقالات المجانية أولاً قبل طلب الدفع، ومنها من يحجز مقالات بعينها يطلع عليها المشترك دون غيره.

وتلعب نوعية القراء دورها في تعزيز أهمية المجلات، فالمعلن لم يعد يهتم بالأعداد المجردة التي تطلع على إعلاناته، وإنما تحول الاهتمام إلى وصول هذه الإعلانات إلى الشريحة الصحيحة من القراء. وفي هذا تتفوق المجلات على الكثير من المواقع الإلكترونية. وتوجد الآن شبكات إعلانية تضم عشرات المطبوعات والمواقع الإلكترونية تختار من بينها الشركات ما يلائمها، من بينها بالتعامل مع جهة واحدة تعمل مثل حلقة الوصل بين المعلنين والناشرين.

على رغم التوسع الكبير في الإقبال على النشر الإلكتروني وإقبال الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي باللغة العربية، فإن المجلات العربية ما زالت تحوز اهتمام شرائح كبيرة من القراء، خصوصاً في المجالات المتخصصة وأسلوب المعيشة العصرية.

ويصبّ هذا في صالح المجلات العربية التي ما زالت تجذب القارئ العربي بنوعية المواد المنشورة وموثوقية المصادر. وهناك الكثير من الأمثلة الناجحة لمجلات مثل «سيدتي» في عصر النشر الإلكتروني. وهي تحتفظ بفئات راقية من القارئات والقراء من ذوي الدخل المرتفع الذين يجذبون معهم قطاعات واسعة من المعلنين.

وشجع نجاح المجلات العربية، على رغم التراجع النسبي في أعداد التوزيع عبر السنين، مجلات عالمية توجهت للنشر باللغة العربية لكي تقتحم الأسواق الإقليمية من ناحيتي القراء والمعلنين. من بين هذه المجلات مؤسسات عالمية مشهورة مثل: «هارفارد بزنس ريفيو»، و«ناشيونال جيوجرافيك»، و«فوربس الشرق الأوسط».

ومع ذلك، لا بد من الإشارة إلى أن تطور عالم بث الأخبار فور وقوعها عبر الإنترنت والتلفزيون وتحليلها في الصحف تحدى فكرة المجلات السياسية العربية الأسبوعية، التي تراجع البعض منها بعد انكماش الإقبال عليها. كما تعاني حالياً المجلات الثقافية العربية من تراجع الإقبال عليها بسبب غياب التمويل وشحة الإعلان وقبول القراء.

وعن توجهات المستقبل، كتب الدكتور مصطفي الفقي، مدير مكتبة الاسكندرية، في صحيفة «الأهرام»: إن «الصحافة الورقية والإلكترونية سوف يمضيان لكي يحتل كل منهما نسبة من اهتمام القراء، وليبقى كلاهما يدعم فيض المعرفة وتدفق الخبر دون توقف أو زوال».